ريادة الأعمال والمدارث
“انا عصامي لم أدخل مدرسة فاعذرني”، جملة قرأتها بأحد المواقع لاحدهم يبرر سبب أحتواء تعليقه على العديد من الاخطاء الإملائية.
عندما قرأت الجملة صدمتني وجعلتني اتوقف قليلاً للتفكير، الامر الأول الذي فكرت به هو هل كونك ريادي اعمال عذر مقبول لان ترتكب اخطاء لغوية فادحة على اعتبار ان جميع رواد الاعمال فاشلين دراسياً ولم ينهوا جامعتهم فاذا الدراسة غير مفيدة أو مثلاً كتابة لغة عربية صحيحة املائياً امرًا غير مهم في رحلتك الريادية ؟
تحضر في ذهني مقولة تقول انك ان اردت ان تهلك حضارة شعب فعليك بان تقضي على لغتهم أولاً، لا ارغب هنا ان ادعي المثالية فلا احد معصوم من الخطأ الجميع يخطأ حتي في هذه المقالة يمكنك ان تجد بدون قصد اخطاء إملائية ولغوية، ولكن على الاقل أحاول بقدر الامكان ان احافظ على لغتي وان اتجنب الاخطاء الاملائية الصارخة.
الامر الثاني الذي اثار غضبي هو مفهوم ريادة الأعمال بالوطن العربي والفكر المنتشر ان ريادي الاعمال ليس في حاجة الى دخول المدارس او الحصول على مؤهل دراسي بشكل او بآخر، بعيداً عن انتشار تلك الشائعة بمجتمع ريادي الاعمال بمصر وبالوطن العربي بشكل عام .. ونعم انا اصفها بالشائعة من خلال احتكاكي بمجتمع رواد الاعمال بمصر والوطن العربي لاكثر من خمسة سنوات.
حقيقة هذا الامر كان من أكثر الامور التي شغلت بالي منذ الصغر ببداية انغماسي بريادة الاعمال، اول القصص التي قرأت عنها وأغلبها تتحدث عن ريادي اعمال تخلوا عن دراستهم الجامعية او لم يدخلوا المدارس من الاساس .. ولكن هل هذه القاعدة ؟
لمن لا يعرفني فانا قصيت خمسة أعوام حتى الآن بالبكالوريا (أو الثانوية العامة بمصر) وهو امر لا افخر به صراحةً كان يمكنني ان اكون بعامي الجامعي الثاني الآن!، اذاً ماذا تعلمت من تلك التجربة؟ … دعنا نتخيل السناريو الذي سيحدث لك – وهو ما حدث معي ولكن تداركت الامر ولكن للآسف بعد فترة كبيرة – عندما تتخذ قرارك بان تصبح ريادي أعمال.
مع انطلاقك بمجال ريادة الاعمال سيخبرونك بقصص لرواد الأعمال وكيف ان احدهم ترك كليته أو مدرسته وبعد ذلك أصبح مليونيراً فتبدأ الفكرة بالتشبع برأسك أكثر فأكثر، وانت ونصيبك فاذا كنت بمرحلة مبكرة من الدراسة بالمدرسة مثلاً فربما تفكر بترك الدراسة، ولو كنت بالجامعة ربما تنقطع عنها لعدة سنوات وهو ما قد يؤدي الى نتائج ربما تندم عليها بالمستقبل.
أتذكر انه بسنتي الثانية بالصف الثالث الثانوي اتيحت لي فرصة عمل بالقاهرة بأحدي الشركات، وطبعاً مأخوذاً بفكر ريادي الاعمال المشوه الذي اكتسبته مع كمية قصص النجاح التي تم تلقيني بها، اعددت شنطة سفري وقلت بملئ فمي سحقاً للدراسة وهيا الى سوق العمل .. أتذكر حتي الآن نظرة الحزن التي كانت تعلو وجه والدتي عندما أخبرتها بقرار سفري نظرة لا استطيع ان امحوها من ذاكرتي حتى الآن، ولا أنسي الجملة التي كتبتها مواسأة لها على السبورة التي كنت أمتلكها بغرفتي الصغيرة وهي “الأهداف الكبيرة تتطلب تضحيات عظيمة”، بالفعل خلال تلك السنة أكتسبت العديد من الخبرات بمجال عملي ولكن على الجانب الآخر كانت النتيجة هي عدم نجاحي بالاختبارات النهائية.
اذا بعد عدة اعوام هل ما قمت به كان الصواب؟، هل ريادة الاعمال تعني اهمال الدراسة؟ لنعرف الاجابة علينا ان نتعرف على اهم ما سيخبرونك به عندما تقرأ عن مجال ريادة الاعمال ونفرق بين الواقع والخيال.
الواقع Vs الخيال
– سيخبرونك ان فشلك في الدراسة أو في التعليم الجامعي ليس نهاية المطاف .. يا أخي أنظر الى اين وصل مارك زوكربيرج أو ستيف جوبز وجميعهم تركوا الجامعة.
– سأقول لك جميل بالفعل الفشل الدارسي ليس نهاية المطاف، ولكن لا يجب ان تقوم باختياره بنفسك!، وفي حقيقة الامر بسوق العمل أول الاسئلة التي ستطرح عليك ما هو مؤهلك. مارك زوكربيرج أو ستيف جوبز هم شواذ القاعدة وليسوا القاعدة!، لذا هذا لا يعني ان تهمل دراستك.
ستقول لي ولكني لا اطمح بان اعمل باحد الشركات طيلة حياتي كموظف، جميل .. والتعليم يخرج موظفين. متفق معك وبشدة، ولكن ربما ما تناسوا عن اخبارك ايه انه حتي بسوق ريادة الأعمال صاحب المؤهل العالي له الأولية
المستثمرين بالوطن العربي بشكل عام يفضلون من هو حاصل على مؤهل عالي فهذا يمنحهم شعور بالطمأنينة ويعطيهم هذا الامر انطباع ان هذا شخص مسؤول ومجتهد، ويا حبذ لو كان هذا المؤهل من أحد الجامعات الأجنبية ولتحَبَّشَ الأمر أكثر يا سعادتك لو كنت تجيد أكثر من لغة أو تجيد التحدث بلكنة أنكليزية بدرجة عالية من الاحتراف.
– سيخبرونك ان تتقبل الرفض أو حتي تتعالي عليه، وصراحة لا ألومك على هذا الامر بل ألومهم لانهم هم من زرعوا بفكرك انك ستيف جوبز عصرك وزمانك وانك ستكون صلاح الدين الايوبي القادم الذي سيغير معالم العالم فعنئذ ستعتبر الجميع حمقي وانت فقط من يفهم!
– سأقول لك ان لم تتدارك هذا الامر سريعاً، فلن تكون أكثر من أحد الحمقي الذين خدعوا بواسطة أحد مدربي التنمية البشرية الذي قرأ بالصدفة عن ريادة الأعمال فقرر التربح منها
– سيخبرونك أن الفشل جميل، ولا مشكلة من أن تفشل من آن لآخر، الا تتذكر يا رجل مؤسس واتس اب الذي رفض من فيسبوك وتويتر وبين ليلة وضحاها أصبح من أغني شباب العالم ؟
– سأقول لك ان الفشل ليس سئ، ولكن طعم النجاح أحلي!، لذا لا تجعل الفشل هدفاً لك.
– سيخبرونك ببداية القصة ونهايتها، مارك زوكربيرج كان أحد الطلاب الجامعيين أسس الفيسبوك ومن ثم أضحي من أغني شباب العالم
– ساقول لك تعمق قليلاً بالقصة، فكر بالامر ما الذي حدث بالمنتصف. وستجد ان قصة نجاح كل ريادي أعمال مُكلله بساعات عديدة من العمل والمجهود الشاق النابع من الايمان الفعلي بفكرته
– سيخبرونك ان أهم أمر هو العلاقات، وعنئذ ستلهث وراء الفعاليات والمؤتمرات ذات الاسماء الرنانة وتذهب هنا وهناك تنتقل من فعالية لآخري ومن مؤتمر لآخر تحصد النقاط والعُمدية على تطبيق Foursquare حتى تتحول الى آله للتشبيك مع الآخرين.
– سأقول لك لك ان العلاقات والتشبيك مهم، ولكن العمل أهم. فبنهاية المطاف ما الفائدة من أمتلاكك شبكة كبيرة من العلاقات وانت لا تمتلك مشروع ناشئ فعلى على ارض الواقع لتستغل تلك الشبكة في تطوير وتوسيع مشروعك. ودعني أخبرك سراً عندما تحقق نجاحاً حقيقاً على أرض الواقع ستجد الآخرين يأتون اليك رغبة فى التشبيك والتعرف عليك أكثر، فدع أعمالك تتحدث عنك بدلاً من الثرثرة الكاذية
اذا هل ريادة الاعمال سيئة ؟ لحظة لنفكر بالامر قليلاً
لا أقصد بهذه المقالة ان انفرك من ريادة الاعمال، بالعكس تماماً ريادة الأعمال أكثر من رائع، عن نفسي أعشق ريادة الأعمال أعشق الجنون الذي يوجد بالمشاريع الناشئة، أعشق الحماسة والمشاعر الفياضة التي توجد بين فريق المشروع الناشئ عندما يحققوا أحد أهدافهم، ببساطة لا أتصور نفسي بمجتمع مختلف عن مجتمع رواد الأعمال.
أتذكر احد الاسئلة التي طرحت على كثيراً وهو لماذا حتي الآن لم تطلق مشروع ناشئ خاص بك ؟ .. ردي كان ومازال حتي الآن أؤمن بشدة انه بيوم من الايام ساطلق مشروع سيعود بالنفع على الوطن العربي بشكل أو بآخر واطمح ان اكون رائد اعمال ناجح .. ولكن حتي آلان لم يحن هذا الوقت لانه ينقصني الكثير من الخبرة وهو ما احاول أن أكتسابه من خلال عملي مع فريق شركة حسوب.
ريادة الأعمال جميلة، ولكن للآسف بالوطن العربي شوهنا جوهر ريادة الأعمال .. صراحة لا اعلم هل كان الامر بقصد ام بغير قصد ولكننا صورنا ريادي الاعمال بانه شخص فاشل دراسياً سيصبح بين ليله وضحاها مليونيراً، ولكن أعذرني بان اخبرك بتلك الحقيقة القاسية بان الملايين لا تسقط على ريادي الاعمال من السماء .. والمشاريع لا تبني نفسها!
مقال عظيم , تحياتي
يا لذيذ يا رايق ! 😀
مقال رائع يا أندرو، يصف ما عايشته لدرجة لا تتصورها، نفس تلك الأفكار كانت تدور برأسي وانا أدرس في الثانوية (هؤلاء الحمقى لا يفقهون شيئا، والدراسة أمر سيئ وأنا أريد تغيير العالم فقلت لنفسي دعنا منها !) بالطبع هنالك أسباب أخرى، كما قلت أنت ليس الفشل شرطا للنجاح، والشاذ يحفظ ولا يقاس عليه، وحتى الدراسة قد تقدم تجارب وعلاقات جيدة تفيد المرا في عالم الريادة..
تدوينة جميلة بحق شكرا صديقي 😉
مقال رائع يا اندرو
هناك من يهد اصنام العجوة ..ويصنع غيرها
رائع يا أندرو
نفس النظرة اللي أخدتها عن مصطلح ريادة الأعمال في العالم العربي أنت وضحتها في التدوينة
مقال أكثر من رائع لقد كتبت كل ما يجول بخاطرى وسأقتبس من تدوينتك التالى (سيخبرونك أن الفشل جميل الا تتذكر يا رجل مؤسس واتس اب الذي رفض من فيسبوك وتويتر وبين ليلة وضحاها أصبح من أغني شباب العالم ) كلامك كله صحيح ولكن مع قصة مؤسس الواتس اب سيزداد أصرار رائد الاعمال العربى على التمسك بكل ما انتقدته انت فى هذه التدوينة نعم الفشل لقد زرع فى رأس رائد الاعمال العربى ان الفشل لامفر منه مهما فعلت ومحرم عليك ان تمر بطريق النجاح الا بعد ان تفشل وياحبذا لوكنت بدون شهادة جامعية لأن رواد الاعمال المشاهير كلهم هكذا , نعم هناك صعوبات تواجه رأئد الاعمال ولكن قصص النجاح الى أشرت اليها مع خليط من حديث التنمية البشرية شوهت مفهوم ريادة الاعمال عربيا بشكل كبير جدا جدا أصبح رائد الاعمال العربى يفكر فى كتابة قصة نجاحه والعثرات التى مربها قبل حتى ان يضع حجر واحد فى مشروعه وكلما ما مر بعثرة ما سارع الى كتابة موضوع عنها ، بعبارة اخرى لقد زرع فى ذهن رائد الاعمال العربى انك اذا أسست مشروع ونجح وانتشر وحقق أرباح ولم تواجهك مصاعب وأهوال كالموجودة فى القصص واذا لم تكن قصتك تحتوى على عنصر الفشل , فهى ليست قصة نجاح ولن تنتشر قصتك لأنه ينقصه أهم عنصر من عناصر قصص النجاح وهو الفشل ثم الفشل
تدوينة أكثر من رائعة صديقي أندرو شكرًا لك.
شكراً أندرو، كثيراً ما يضايقني الترويج للفشل في الدراسة وربطه بريادة الأعمال، عدم إكمال الدراسة يجب أن لا يكون عائق للنجاح، لكن بكل تأكيد إكمال التعليم والحصول على شهادة دراسية أفضل، ومبروك العمل في حسوب.
تدوينة أكثر من رائعة ، لعل الجميع يعلم أن العمل أهم و التطبيق يأتي في المرحلة الأولي
مقال دقيق في وصف الواقع المأساوي للعرب
شخصياً تعرضت لموقف مشابه تماماً لما تعرضت له انت في الثانوية (لكن في الجامعة)
شكراً على المقال اندرو 🙂
شكرًا لك عبدالله .. سعيد أن المقال أعجبك 🙂
تعرضت لموقف مشابه في الجامعة وافتكرت ان جمع المال اهم من الدراسة
لكن بعد كده اتعلمت تنظيم الوقت واتعلمت الجرافيك وحسنت من نفسي وشاركت في انشطة طلابية في الجامعة غيرت شخصيتي تماماً
الانسان اللي انا عليه الأن غير الانسان اللي كان بيفكر في الفلوس المهم بالنسبالي الأن اني اعمل حاجة الناس تحبها بغض النظر عن الربح من وراها
ولو لقيت نفسك مش مستفاد من الجامعه ومش بتتعلم اى حاجة وبتدفع كمان فلوس ومش قليله .. يبقا ايه الحل ؟
خبراتك تجعلك اكثر عمقا ونضجا
تحياتى
المقال والخبره التى عايشتها اكثر من رائعه
شكرًا لك عماد .. سعيد أن المقال أعجبك 🙂
حصل معايا نفس اللى حصل معاك
بس كملت .. كنت تقريباً هقع فى نفس المشكلة
فى الأخير مقالة رائعة أندرو
وعلى فكرة تفاجئت أنك فى نف سنى تقريباً 😀